بعد مصر، يتوجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى تركيا في زيارة يتخللها حضور جلالته مؤتمر قمة التعاون الإسلامي بما يشير إلى جهوده الحثيثة لتجميع كل مصادر القوى الإسلامية باعتبار تركيا لاعبًا إقليميًا مهمًا لمجابهة التحديّات والمخاطر المحيقة والمحيطة بالعرب والمسلمين، والزيارة لها أبعادها السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها وإن كانت كل الأبعاد تصب في هدف جامع ومصيري هو وحدة الصف الإسلامي في مواجهة الإرهاب والأطماع والتحديّات. المحلل السياسي الدكتور إبراهيم العثيمين قال إن زيارة الملك سلمان لتركيا لحضور قمة التعاون الإسلامي المقررة عقدها في خلال الفترة 10 إلى 15 إبريل، وزيارة الملك سلمان لمصر التي سبقت زيارته إلى تركيا كان أحد أسبابها بالإضافة إلى تعميق التحالف الإستراتيجي بين الرياض والقاهرة محاولة إزالة توتر العلاقات بين القاهرة وأنقرة نتيجة موقف أردوغان من ثورة 30 يونية وعدم الاعتراف بشرعية السيسي، خصوصًا في ظل تسارع وتيرة الأحداث والمتغيرات الجيوسياسية التي تمر بها المنطقة، وبالتالي لعل هناك محاولة سعودية لإقناع السيسي بزيارة أنقرة لتسليم رئاسة القمة الإسلامية إلى تركيا وفتح صفحة جديدة في العلاقات، لا سيما أن الدولتين أصبحتا أعضاء في التحالف الإسلامي ضد الإرهاب بقيادة الرياض، ومن المتعارف عليه بروتوكوليًا أن يقوم رئيس الدولة التي أنهت رئاستها للقمة وهي مصر بتسليم قيادتها للدولة الجديدة تركيا. وأشار الإعلامي عبدالإله السعدون إلى أن تاريخ العلاقات السعودية التركية قديم، ويرجع لعقود طويلة منذ زيارة الملك فيصل عام 1937 عندما كان وزيرًا، وأرسله والده الملك عبدالعزيز لتركيا، وقابل الرئيس أتاتورك ومدحه الفيصل في مذكراته وكانت الزيارة بذرة العلاقات السعودية التركية إلى يومنا هذا. وتابع: في عهد الملك سلمان قائد الحزم والقوة تغيرت الكثير من المفاهيم والأمور نتيجة للأحداث المحيطة الإقليمية والدولية وأصبحت العلاقات الإستراتيجية مطلوبة بين الدولتين، السعودية مركز للدول العربية والإسلامية وتركيا من أهم الدول الإسلامية التي تربطها علاقات بأوروبا، والتلاقي سينتج عنه الخير للأمة العربية والإسلامية، ومن المتوقع في عهد خادم الحرمين الشريفين أن يحدث التغيير أينما حل، وفي تركيا يسعى الملك لتعزيز العلاقات الإسلامية والتعاون الاقتصادي بين المملكة وتركيا يتزايد، وتوجد في تركيا استثمارات سعودية بما يزيد على 10 مليارات ريال معظمها في تجارة العقارات. * جهود الملك ستخلق أجواء السلام وأضاف السعدون أن الأمة الإسلامية كلها ستجني ثمار ما يقدمه الملك سلمان بعد أن عاشت فترة من التفرقة والتشتت والتدخل الأجنبي، وما يسمى باللهيب العربي الذي عشنا مواجعه في ليبيا والعراق وسوريا واليمن ودخانه في مصر، وأكد أن جهود الملك سلمان ستخلق أجواء السلام والربيع الحقيقي للأمة الإسلامية والعربية، واختتم بالتمني كمواطن سعودي ومسلم ومهتم بالعلاقات التركية السعودية أن يكون هناك مشروع إسلامي موسع لإيجاد كتلة إسلامية تدخل بقوة إلى العالم تواجه كل الأطماع الإقليمية والدولية عن بلادنا من إندونيسيا إلى آخر المحيط الأطلسي. ويقول الكاتب والإعلامي أيمن الحماد إن زيارة الملك سلمان لتركيا مهمة ويتخللها حضور القمة الإسلامية، وتواجد الملك سلمان كزعيم عربي وإسلامي مهم لسعيه الحثيث في تحقيق الوحدة العربية والإسلامية ومعالجة مشكلاتها واستعادة نفوذها بعد الاضطرابات التي منيت بها الأمة الإسلامية والعربية، وأضاف أن العلاقات التركية السعودية تشهد تطورًا ملموسًا ونقلة نوعية لوجود أهداف مشتركة أهمها سيادة الاستقرار في المنطقة والحرب على الإرهاب والأفكار المتطرفة، وأن ملفي الاقتصاد والسياسة من أهم الملفات المطروحة بين البلدين. * أول زيارة رسمية كملك ويقول المختص بالشأن الثقافي التركي الدكتور عبدالله الشمري إن أهمية زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لتركيا تكمن في أنها أول زيارة رسمية له كملك للجمهورية التركية، وقبل مشاركته في القمة الإسلامية الثالثة عشر لمنظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول يومي 14 و15 إبريل 2016، وأضاف أن العلاقات السعودية التركية تتطور منذ سنوات بشكل جيد وتتجه لمزيد من التنسيق والخصوصية والتركيز على المصالح المشتركة بين البلدين والسعي لاستكشاف فرص تعزيز سبل التعاون وتنحية أي اختلافات في وجهات النظر جانبًا ومنعها من إعاقة تطور العلاقات. وتابع: يمكن فهم تطور العلاقات السعودية التركية كجزء من المسعى السياسي الجديد للمملكة بتقوية علاقاتها وصداقاتها مع الدول الإقليمية في الوقت الذي يسود فيه انطباع إقليمي بانحسار دور الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، وظهور ملامح فوضى ناتجة عن هذا التراجع تسعى المملكة لمعالجته عبر تعزيز قنوات الاتصال والتشاور مع دول مؤثرة سياسيًا وعبر تشكيل تحالفات سياسية وعسكرية لمعالجة أبرز القضايا الإقليمية خاصة مكافحة الإرهاب والنفوذ الإيراني. * ملامح التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري إعلان إنشاء مجلس تعاون إستراتيجي سعودي تركي في نهاية شهر ديسمبر 2015 كان خطوة مفصلية في تاريخ العلاقات ويحتاج للمزيد من العمل المستقبلي وتوقيع مزيد من اتفاقيات التعاون ومذكرات التفاهم المختلفة وخاصة في مجال الصناعات الدفاعية والتصنيع العسكري المشترك والتدريب والاستثمارات السعودية مهمة لتركيا وهي دائمًا تقود الاستثمارات الخليجية وعلى الحكومة لتركية بذل مزيد من الدعم والتشجيع للمستثمرين وإزالة العوائق أمام ضخ مزيد من الاستثمارات الجديدة والتي ستجلب العملات الأجنبية الصعبة للاقتصاد التركي وخاصة عبر مبيعات العقارات التركية للسعوديين، حيث يمثل المشتري السعودي 11.2% من إجمالي الأجانب المستثمرين في القطاع العقاري. وأضاف أن الزيارة تأتي أيضًا للتضامن السعودي مع الحكومة التركية والشعب في المرحلة الحالية بعد الهجمات الإرهابية التي ضربت تركيا وكان آخرها في 13 مارس 2016. * تصرف إنساني للملك المؤسس ويقول عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود الدكتور سهيل صابان: بادئ ذي بدء لا بد من الإشارة إلى تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وتركيا بعد فترة وجيزة من دخول الحجاز في حكم الملك عبدالعزيز أواخر عام 1924م؛ إذ جرى التبادل الدبلوماسي بين الطرفين عام 1927م. ولعل أهم تصرف إنساني نبيل من الملك عبدالعزيز إزاء الأتراك الذي دفع العلاقات إلى الأمام كان موقفه من أملاك الأتراك في الحجاز في العهد العثماني، فقد أصدر أمره الكريم –كما يوثقها أرشيف الجمهورية في أنقره– بإرجاع كل الأملاك والعقارات التي استُولي عليها في العهد السابق لأصحابها الأتراك.. وهو تصرف إنساني وأخلاقي نبيل من الملك عبدالعزيز، رحمه الله، تجاه الأتراك الموجودين في الحجاز كان له التأثير الأكبر في تطوير العلاقات وتنميتها بين البلدين، وقد لقي استحسانًا وشكرًا كبيرين من الأتراك، حكومة وشعبًا. * زيارتان للملك فيصل وواصل: زار الملك فيصل تركيا عامي 1932 و1966، وكان للزيارتين الأثر الكبير في توطيد العلاقات الثقافية والاقتصادية بين البلدين، ولا ننسى في هذا المقام أن المملكة صارت في عهده رائدة التضامن الإسلامي، سواء في دعم المنظمات الإسلامية ومؤسساتها واحتضانها، مثل منظمة العمل الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي والندوة العالمية للشباب الإسلامي وما ينبثق عنها من الهيئات والمجامع الفقهية والإغاثة، أو من خلال الجمع بين العلم والمعرفة والحفاظ على الهوية الذاتية للأمة في إطار تحقيق التوازن بين التطور الحضاري والعمراني والاقتصادي وبين المحافظة على المبادئ والقيم الدينية والأخلاقية والعادات والتقاليد العربية الأصيلة، وكذلك من خلال جمع الكلمة بين الأشقاء في المحافل الإقليمية والدولية، وهنا لا بد من الإشارة إلى الدور المحوري الكبير الذي يؤديه الملك سلمان في هذا الإطار، وزيارته إلى تركيا تأتي في ظروف دولية معقدة يستعصي حلها ما لم يكن هناك عزم وحزم وهما صفتان متلازمتان حازهما الملك سلمان بكل جدارة للحفاظ على ثوابت الأمة الكتاب والسنة، وتنبثق عنهما وحدة الأمة الإسلامية ولا ننسى في هذا المقام أن نشير إلى الدور الكبير الذي تضطلع به المملكة على الصعيد الديني والثقافي مع حجم تلك المسؤولية الملقاة على عاتقها في رعاية الحرمين الشريفين، وفي الاهتمام بقضايا المسلمين في الشرق وفي الغرب. * علاقات ثقافية وتعليمية ولقد بدأت علاقات ثقافية بين المملكة وتركيا في عهد الملك عبدالعزيز تمثلت في ابتعاث الطلاب السعوديين إلا أن زيارة الملك فيصل إلى تركيا في عام 1966 دفعت تلك العلاقات الثقافية دفعة قوية إلى الأمام؛ وجرى في عهده عقد الاتفاقات التجارية والاقتصادية في 1968 واكتمال الإعدادات لعقد الاتفاقية الثقافية. وبناءً على الأرضية الصلبة التي بنيت عليها العلاقات السياسية بين المملكة وبين تركيا، فقد شملت العلاقات الثقافية بعد ذلك مختلف الجوانب ومنها على سبيل: ابتعاث مئات الطلاب الأتراك إلى السعودية؛ للدراسة في جامعاتها، وبالمقابل توجه مجموعة من الطلاب السعوديين إلى تركيا؛ للدراسة والتخصص في جامعاتها، كما توجه لفيف من أساتذة الجامعات السعوديين إلى الجامعات التركية؛ لقضاء سنة التفرغ فيها، وقضاء أساتذة أتراك سنة التفرغ في بعض الجامعات والمؤسسات العلمية بالمملكة، مثل مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ومشاركة الطرفين في معارض الكتب الدولية التي تقام كل سنة في الرياض وإسطنبول، ومشاركة مجموعة كبيرة من الجامعات التركية في المعرض والمؤتمر الدولي للتعليم العالي الذي كان يقام في الرياض في السنوات الماضية، ومشاركة أساتذة الجامعات من الطرفين في المؤتمرات والندوات الدولية التي تقام في مختلف مدن المملكة وتركيا في مختلف التخصصات العلمية، وأيام الثقافة السعودية التي كانت تقام في رحاب جامعة إسطنبول 2007، وغيرها من المراكز العلمية وتقديم الأطروحات العلمية في جامعات الطرفين عن التاريخ المشترك بينهما، وقدمت رسائل علمية في جامعة الملك سعود العريقة؛ بل حتى في غيرها من الجامعات الحكومية في غاية الأهمية، كما قدمت رسائل مماثلة في الجامعات التركية، ولا سيما في جامعة الفرات في شرق تركيا وفي جامعة مرمرة بإسطنبول، وهنا لا بد من الإشارة إلى 3 رسائل علمية لمرحلة الدكتوراه توثق بدقة للعلاقات السعودية التركية. وإضافة إلى ذلك هناك العديد من الباحثين الأتراك الذين حصلوا على درجات علمية عن موضوعات تخص حاضر المملكة العربية السعودية أما الأمر المرتقب من الزيارة الملكية الكريمة إلى تركيا فهو تطوير العلاقات الثنائية في مختلف الجوانب الاقتصادية والسياسية بين الطرفين، والتركيز على مفهوم الوحدة الإسلامية التي يحتاج إليها العالم الإسلامي اليوم أكثر من أي وقت مضى.